المملكة والحج والعمرة، واللغات..

استنفرت المملكة العربية السعودية عدتها وعتادها في حج 1443هـ عقب العودة بعد جائحة كورونا، التي قلبت ظهر المجن للبشرية جمعاء، وما من شك في أن المملكة العربية السعودية قدمت كل التسهيلات الممكنة مستعينة بأحدث التقنيات تطويعا لها في سبيل خدمة الحجيج، الذين أتوا وفي قلوبهم شوق ولهفة للحرمين الشريفين بعد أن حالت الجائحة بينهم.

استخدام اللغات ثابت في الحج منذ عقود، إذ تذكر لنا السفرنامات المكتوبة على لسان من حج قبل مئة عام من شبه القارة الهندية أنه كان هناك اهتمام بكتابة التوجيهات والإرشادات في الحج باللغتين العربية والأردية، ولعل هذا يُشير إلى أن أعداد الحجيج كانت أكثرها تقدم من البلدان العربية والبلدان الناطقة بالأردية -عموم شبه القارة الهندية قبل 1947م وباكستان لاستقلالها بعد عام 1947م- والأردية من أكثر اللغات نطقا ضمن الحجيج حتى هذا اليوم.

وأرى بما أن هناك طفرة معلوماتية عالمية وسهولة في الحصول على المعلومات أن تقوم البلدان التي يقدم منها الحجيج بالتعاون مع وزارة الحج والعمرة بإصدار الأدلة التوعوية والتي توجه الحاج في حجه وعمرته بلغته، تلك أول خطوة لتثقيف الحجاج ومعالجة المشاكل قبل حدوثها سواء في البلد الأم أو بعد قدوم الحاج إلى المشاعر المقدسة والحرمين الشريفين.

ومن الملاحظ أن المملكة العربية السعودية استخدمت منذ سنوات اللغات العديدة في إيصال المعلومات إلى الحجاج الكرام بلغاتهم، وأدخلت في منظومتها للحج والتي تتكون من دوائر حكومية وجهات أهلية خدمة الترجمة إلى اللغات، إذ قامت وزارة الحج والعمرة هذا العام بشكل فعال وبجهود ملموسة في إنتاج المحتوى بأربعة عشر لغة عالمية، وعلى رأسها العربية، والأردية، والإنجليزية، والفرنسية، بالإضافة إلى البنغالية، والإندونيسية، والماليزية، والأمهرية، والفارسية، والإسبانية، والتركية، والروسية، والسنهالية، وقد تم نشر المحتوى بأسلوب سهل وسلس من خلال المنشورات والمقاطع على وسائل التواصل الاجتماعي، ووصلت المقاطع إلى الملايين حول العالم بشتى اللغات.

إلى جانب نشر المحتوى التثقيفي، والتعليمي، والتوجيهي قامت وزارة الحج والعمرة بالتعاون مع الهيئة العامة للأوقاف بإنتاج الأدلة التوعوية باللغات المذكورة، هذه الأدلة انحصرت في أدلة حول الإحرام، والتوعية الصحية، والمسجد النبوي والخدمات المقدمة فيه وكذلك المسجد الحرام، والجمرات، ودليل يوم عرفة، ومزدلفة، ومنى، بالإضافة إلى دليل يوم النحر، ومعالم مكة المكرمة والمدينة المنورة، وقد بلغت مجموع الأدلة 182 دليلا، بينما الصفحات المترجمة وصلت إلى 10178 صفحة.

كما ساهمت رئاسة الحرمين الشريفين في هذه الجهود من خلال إنتاج محتوى بعدد من اللغات، وكذلك من خلال مشروع خادم الحرمين الشريفين للترجمة الفورية لخطبة يوم عرفة إلى (14) لغة، وقد أظهرت الإحصائيات حيال أكثر اللغات استماعا لخطبة عرفة، فكانت لغة الملايو، والإنجليزية، والأردية، والهوساوية، والبنغالية على الترتيب، أما أكثر الدول استماعا للبث فقد كانت على الترتيب: إندونيسيا، وباكستان، والهند، وبنغلاديش، ومصر، والصين.

كما شارك عدد من الجهات الأخرى ضمن منظومة الحج في نشر المحتوى التثقيفي بلغات متعددة، وكل هذه الجهود المبذولة ما هو إلا دليل على منظومة تسعى إلى التكامل والأمثلية في خدمة ضيوف الرحمن القادمين من كل فج عميق، وأجزم أن السنوات المقبلة في الحج ستشهد زيادة في اللغات كلما زاد أعداد الحجاج، كذلك رؤية المملكة 2030م ومن خلفها القيادة الفعالة التي تحفز الوزارت والقطاعات الموجودة ضمن منظومة الحج في تقديم المزيد في هذا الجانب.