هذه المقالة كتبها الصحفي القدير إفتخار جيلاني، وهو صحفي من الهند من من جنوب كشمير من مدينة سوبور، يعمل رئيسا في جريدة Daily News and Analysis الإنجليزية الهندية، كذلك يكتب مقالات باللغة الأردية في جريدة (دنيا نيوز) الباكستانية، نشرت هذه المقالة فيها بتاريخ 2 أغسطس 2016م، قمت بترجمتها إلى العربية لأنها تكشف حقائق كثيرة كشمير المحتلة غائبة عن العرب على الوجه العموم.
كتبها: إفتخار جيلاني، وترجمها: راسخ الكشميري
في معهد العلوم الطبية الهندي يقبع الفتى آصف ذو الأعوام الثمانية للعلاج، يرافقه والده عبد الرشيد الذي يلقنه الصبر، ويهيئه نفسيا لتقبل وضع حياته القادمة التي سيعيشها بلا بصر، ولمثل هذا تدمع العين، وينفطر القلب مهما كان قاسيا، وهناك آخرون مجروحون بسبب الكريات القاذفة التي تطلقها القوات الهندية تجاه الكشميريين في كشمير.
قبل أيام لما زار راهول غاندي وهو نائب رئيس حزب الكونغرس الهندي هذه المستشفى وهذا القسم الذي ضم المحرومين من البصر ذكر له فردوس أحمد وهوسائق ركشا وهو الوحيد الذي يعيل عائلته بأن المئات من الكشميريين أُصيبوا في بصرهم بسبب الكريات القاذفة، ولو أن هذا كافٍ لكي ينير بصائر الساسة الهنود فتلك صفقة ليست بخاسرة، حنى القائد السياسي الكونغرسي رأسه، ومضى إلى حال سبيله.
وحسب أشهر دكتور لأمراض العين في الهند الدكتور “ايس نتراجن” بأنه يواجه للمرة الأولى في تاريخه مثل هؤلاء المرضى، وذكر أنه لا توجد مثل هذه الحالات حتى في المناطق الملتهبة بسبب الحرب.
يذكر قاضي محكمة كشمير العليا السابق حسنين مسعودي بأن مستشفى سري نغَر الأساسي – قسم أمراض العين يقدم صورا مرعبة جدا، فحتى بعد إجراء عمليات جراحية لمرات متتالية للمصابين بالكريات القاذفة في أعينهم ليس من المؤكد أن تعود أبصارهم، ويزداد يوميا مثل هؤلاء المرضى في القسم بسبب استخدام القوات الهندية للكريات القاذفة.
القسم يقدم فلما مرعبا حقيقيا، فبالرغم من تكرار عملية العين إلا أن أبصارهم لم تعد، ويوجد بين المصابين من لا يرافقه أحد، ويوجد من بين المرضى من معه مرافقون كثر، ويوجد من غُطت أعينهم بضمادات، ومن وضعوا على أعينهم النظارات السوداء، الآباء والأمهات يبكون على أطفالهم، يصيبهم اليأس والألم من مستقبل أبنائهم، وحسب بيان القاضي بأن العين تبكي دما حين ترى أطفالا في عمر الزهور قد لُفت أعينهم بضمادات…
وَمِمَّا يثلج الصدر ضمن هذه المناظر الدموية أنك تجد الإيثار على النفس، وتجد كل يساعد أخاه، سواء أكانوا شبانا أم منظمات تطوعية تخدم المرضى والمصابين، كثير من الشباب يقومون بالتبرع بالدماء، بل وسجلوا أنفسهم لتقديم المزيد، وقد أثبت الكشميريون مرة أخرى أنهم يستطيعون مقابلة الأيام القاتمة دون الاعتماد على الحكومة، ولديهم عزم كبير وإرادة لمجابهة مثل هذه الحالات العصية.
أذكر في ٢٠١٠م عندما كانت كشمير تواجه نفس ما تواجهه الآن في ٢٠١٦م من انفلات أمني وقسوة القوات الهندية، وجدت فرصة لزيارة فلسطين وإسرائيل مع مجموعة من وفد صحفي من كبار الصحفيين في الهند، كان مستشار رئيس وزراء إسرائيل ديفيد رايزنر يحدثنا, ونظرا لأهميته وتقليده عدة مناصب إسرائيلية أمنية هامة كان الصحفيون الهنود يلقون عليه الأسئلة تلو الأسئلة لمعرفة كيفية مواجهة فصائل الفلسطينيين غير المسلحين!!
استخدم ديفيد رايزنروجيشه وشرطته في انتفاضة فلسطين 1987م الكريات القاذفة Pellets Gun 0.4 لكن تم حظر هذه الكريات لاحقا بعد ظهور نتائجها المخيفة, لذا فشحنات هذا النوع من السلاح موجود في خزائن الإسرائيليين يتآكل من الصدأ, والشركة التي صنَّعت هذه الكريات القاذفة قدمت عرضا بصنعة الكريات القاذفة 0.9 والتي تكون أقل خطرا من سابقتها, إلا أن الحكومة الاسرائيلية لم تبت أمرها في هذا الشأن, واعترف ديفيد بأن المسلح عسكريا سهل التعامل معه, فيما يصعب التعامل مع المتظاهرين خصوصا لما يكون الإعلام العالمي يرصد كل صغيرة وكبيرة، ومن المحير أنه بعد عودتنا من هذه الزيارة بأشهر وجدنا أن الأسلحة التي كان قد نالها الصدأ في إسرائيل استوردتها داخلية الهند لاستخدامها في كشمير. وقد أخبرنا ديفيد رايزنر أن الرصاصات الفولاذية والمغلفة بالمطاط, والغاز المخدر تم تجربتهما, ولكن بسبب النتائج الضارة تم حظرهما، وفي الهند الآن بعد استخدامها للكريات القاذفة يتحدث الناس عن استخدامها الرصاصات الصلبة والغاز المخدر أيضا.
وقد أوقع الضابط الاسرائيلي وفد الصحفيين الهنود في حيرة من أمرهم لما أخبرهم عما يقوم به الضباط الهنود في كشمير.
يقول أن الضباط الهنود يتعجبون منا، ويتساءلون: لماذا نفرق بين الشخص المسلح وغير المسلح في المناطق الملتهبة في كشمير؟ وذكر الضابط الاسرائيلي للصحفيين أن ضابطا هنديا زار إسرائيل وأخبرهم أنهم في كشمير يحاصرون قرية كاملة فيدخلون البيوت ويفتشونها؛ لأنهم يعتقدون أن كل بيت من أبواب كشمير هو مأوى للإرهابيين, يقول الضابط الإسرائيلي أننا قلنا للضابط الهندي بأن إسرائيل بالرغم من أن سمعتها سيئة في العالم لكننا رغم ذلك لا نفعل مثلما تفعلونه إلا إذا تأكد لنا خبر ما, علما أن ديفيد رايزنر كان عضوا في الوفد المرافق لرئيس وزراء إسرائيل ايهود باراك في يوليو 2000م لما حاوروا الفلسطينيين في كامب ديفيد, وأنا عندما أذكر ما كتبت أعلاه لا أُسوِّغ جرائم إسرائيل ولا أدافع عنها, ولكن لكي أظهر مدى الغفلة أو السكوت الحاصل في موضوع كشمير, ومظالم القوات الهندية التي لم تُعلن.
ديفيد رايزنر لم يذكر للصحفيين اسم الجنرال الهندي ولكنه أشار أن الهند بعدم تفريقها بين المسلحين وغير المسلحين تقوم بتعقيد الأمور في كشمير.
وبعكس المناطق العالمية الملتهبة فإن الإعلام العالمي تجاهل قضية كشمير إلى حد كبير, وإن قام بالتغطية لم يستطع الدخول إلى العمق, حتى أن الإعلام الكشميري نفسه أو إعلام سري نغر لا يستطيع الدخول إلى بعض المناطق.
قبل سنوات عديدة ذهبت برفقة الكاتب والمحامي أي جي نوراني إلى جنوب كشمير في منطقة خضراء جميلة اسمها (ريشي واري), منذ أن دخلنا إلى هذا الوادي وحتى 30 كيلو متر داخلها رأينا أن الطابق الثاني من جميع البيوت المجاورة للشارع يقبع فيها الجنود الهنود, استفسرنا وعلمنا أن مالكي البيوت يقطنون في الطابق الأول بينما الطابق الثاني خاص للجنود, أهل هذه القرية أول مرة رأوا إعلاميين في قريتهم.
وهكذا إذا قلَّبنا إرشيف معهد (شيرِ كشمير) للعلوم الطبية الواقع في سري نَغَر ستظهر لنا تفاصيل مخيفة لقضايا إنسانية سابقة قال عنها الأطباء أن مثل هذه الحالات رُصدت آخر مرة أثناء الحرب العالمية الثانية في ألمانيا في مراكز استجواب الشرطة السرية الألمانية (Gestapo) التابع للمخابرات الألمانية.
يوجد هنا ملف لقصة أستاذ اللغة العربية مظفر حسن مرزا البالغ من العمر 37 عاما والذي قُبض عليه من منطقة (ترال), لما أحضروه للمشفى كان قد أصيب بمرض انحلال العضلات (Rhabdomyolysis) كانت قد ذابت عضلاته وأصبحت تخرج مع البول, كما استخدم في تعذيبه قضيب (خازوق) غُمس في البترول أدخل من مقعده وخرج من بطنه مصيبا الأمعاء, والمعدة, والرئة, انتقل بعدها إلى رحمة الله بعد ثلاثة أسابيع. كثير من الأطباء غير الهنود الذين أتوا إلى الهند لدراسة مثل هذه القضايا قبل سنوات عديدة ذكروا لاحقا أن هذه القضايا التي بحثوا عنها في كشمير وجدوها قد حصلت على نطاق محدود في الزلازل التي أصابت بيروت 1983م. وأرمينيا عام 1988م. مثل هذه القصص والقضايا التي لم تخرج علنا تنتظر الصحفيين لكي تظهر في الوجود, وجزء من تلك القصص يمكن مشاهدتها في الفلم (حيدر), وفي كتاب (The Meadow) من تأليف (ادريان ليوي), و(كيتي سكوت), وقد آن الأوان لكي نقوم برفع السُّتر عما خفي كم القضايا, وبات واضحا الآن أن كشمير تمر بأعنف مراحلها, ووضع مرهم على الجيل الذي نشأ في هذا العنف صعب جدا.
قبل سنوات كنت قد حذرت في مقال لي أن الجهود المسلحة في كشمير إلى انحسار ولكن من الحماقة أن تظن أن الأمان قد حل هناك, قد تكون أصوات البندقيات خفتت لكن الحرب الجارية في الأفكار، والبركان الذي يتحرك في الداخل لا بد له من حل..
يتم التحكم في كشمير منذ 4 قرون بالحديد والنار والخوف، وقد أثبتت مظاهرات 2008م، 2010م، والآن في 2016م أن الخوف قد انتهى، ولكن القوة لا زالت موجودة، وإن لم تنتبه الحكومات الهندية لذلك ستضطرب هذه المنطقة بشكل مهول، لا بد من اعتماد الجدية في حل قضية كشمير، وتهيئة جو جمهوري مبني على التفاهم والعطف، ويجب أن يخدم الشعب الكشميري لا الجغرافية الكشميرية، وبالتأكيد لن تضيع الجهود سدى إذا ما سُيِّرت الأمور بشكل إيجابي.