يعتبر عام 1940م من الأعوام التي شهدت إرهاصات العلاقات الباكستانية السعودية، إذ أن الملك الراحل الملك سعود رحمه الله –ولي العهد آنذاك- قام بزيارة إلى مدينتي (بومباي)، و(كراتشي)، وكان ذلك في إبريل 1940م والتقى بزعماء حزب الرابطة الإسلامية وهو الحزب الذي قدم القرار الباكستاني، وقد التقى بمرزا أحمد أصبهاني، ومحمد مانيار، وكريم إبراهيم، وكان معه في ذلك الوفد إخوته الخمسة الأمراء وهم: الأمير فيصل، والأمير سعد، والأمير فهد، والأمير منصور، والأمير عبد الله، وقد نقل الأمير سعود إلى والده الملك عبد العزيز رحمهما الله عن كفاح المسلمين من أجل إنشاء دولة مستقلة.
وقد بقيت العلاقات الباكستانية السعودية على مر التاريخ ولا تزال فريدة من نوعها، ولا يكون في الأمر مبالغة إن شبهناها في القوة، والمتانة، والعمق، والعلو بجبال الهيمالايا في باكستان، وبجبل طويق في الرياض، وجبل أحد في المدينة المنورة، وقد اهتم بها الملوك السعوديون اهتماما بالغا حيث زاروها في فترات مختلفة، فقد استهل الملك سعود بن عبد العزيز رحمه الله هذه الزيارات وكان ذلك في عام 1373ھ الموافق 1954م وهي الزيارة الوحيدة له.
فيما زار الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله باكستان ثلاث مرات، الأولى كانت عام 1374ھ الموافق 1955م، والزيارة الثانية له كانت عام 1386ھ الموافق 1966م، أما الزيارة الثالثة والأخيرة فكانت عام 1394ھ الموافق 1974م.
الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله زار باكستان مرتين، كانت الأولى عام 1387ھ الموافق 1967م، والثانية عام 1396ھ الموافق 1976م.
الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله زار باكستان ولم يكن ملكا حين زارها، وكان ذلك عام 1401ھ الموافق 1980م.
أما أكثر ملك سعودي زار باكستان فكان المرحوم بإذن الله الملك عبد الله بن عبد العزيز، حيث زارها خمس مرات أميرا وملكا، الأولى كانت عام 1404ھ الموافق 1984م، والثانية كانت عام 1418ھ الموافق 1997م، والثالثة كانت عام 1419ھ الموافق 1998م، والزيارة الرابعة كانت عام 1424ھ الموافق 2003م، والزيارة الأخيرة الشهيرة كانت عام 1427ھ الموافق 2006م.
وقد زار الملك سلمان حفظه الله باكستان حتى الآن مرتين، ولم يزرها ملكا، الزيارة الأولى كانت عام 1418ھ الموافق 1998م، والثانية كانت عام 1435ھ الموافق 2014م.
وللقيادات الباكستانية أيضا على مر التاريخ زيارات كثيفة متبادلة، وقد باتت عادة سياسية أنه كلما أتت حكومة جديدة في باكستان فإن أولى الوجهات الخارجية لرئيس الوزراء الباكستاني تكون المملكة العربية السعودية، وهذه العادة والزيارات الآنفة الذكر إن دلت فإنها تدل على عمق العلاقات بين البلدين الشقيقين، بل هي علاقات استراتيجية والعلاقة فيما بين البلدين علاقة اللازم بالملزوم، فالمملكة العربية السعودية حامية حمى الحرمين الشريفين وزعيمة العالم الإسلامي، بينما باكستان القوة النووية الإسلامية الوحيدة، ولديها من القدرات العسكرية والقوة ما يجعلها تتبوأ مركزا مرموقا بين البلدان الإسلامية.
أول معاهدة صداقة بين باكستان والمملكة أبرمت في جدة بتاريخ 25 صفر 1371ھ الموافق 25 نوفمبر 1951م، وتم تبادل الوثائق يوم الثلاثاء 17 جمادى الآخرة 1372ھ الموافق 3 مارس 1953م ووقعها نيابة عن الملك عبد العزيز الأمير فيصل بن عبد العزيز، ومن جانب باكستان الوزير المفوض فوق العادة الحاج عبد الستار سيت بالنيابة عن حاكم باكستان العام، وقد صادق عليها الملك عبد العزيز رحمه الله في الرياض في 25 محرم 1372ھ الموافق 15 أكتوبر 1952م.
وقد قضت المعاهدة بالعلاقات الأخوية الإسلامية الصادقة والسلم الدائم، وعدم استخدام أراضي أي من الدولتين للإضرار بالأخرى، اتفاقيات أخرى مثل التسهيلات للحجاج والأمور القنصلية، والتجارية، والجمركية، والمواصلات والثقافة وتسليم المجرمين.
توجد عدد من الرمزيات في العلاقات بين البلدين تدل على عمق العلاقات بينهما، فقد سمت السعودية شارعا باسم مؤسس باكستان (محمد علي جناح) في مدينة الرياض بحي الشهداء، وكذلك مسمى شاعر باكستان الوطني (محمد إقبال) في جدة، وحي الروضة، وتوجد في المدينة المنورة مدرسة ابتدائية باسمه أيضا.
وفي باكستان فإننا نجد منطقة في كراتشي تسمى (سعود آباد) نسبة إلى الملك سعود رحمه الله، بالإضافة إلى مدينة كاملة تسمى باسم (فيصل آباد) على مسمى الملك فيصل رحمه الله، ومسميات أخرى مثل الشارع الرئيسي في كراتشي (شاهراهِ فيصل)، ومسجد الملك فيصل في العاصمة الباكستانية إسلام آباد.
من المجالات المهمة بين البلدين التعاون العسكري العميق، فقد أسهم الجيش الباكستاني في تأسيس القوات المسلحة السعودية، كما أن أكثر من 1200 مدرب باكستاني في جميع القطاعات الأمنية والعسكرية في المملكة، كما أن باكستان بالرغم من عدم الطلب منها ساعدت في حربي 1967م وحرب 1973م، وكل ذلك أتى امتداد للتعاون العسكري والأمني المشترك بين البلدين.
في عام 1982م تم توقيع بروتوكول للتعاون العسكري، وفي 1992م تم توقيع اتفاقية الدفاع المشترك، وتجري بين الفينة والأخرى تدريبات عسكرية مشتركة بشكل منتظم.
الملك سعود رحمه الله حين زيارته إلى باكستان عام 1954م أفصح عن شعوره فقال: «مما أكد شعوري بأن البلادين السعودية والباكستانية بلاد واحدة، وإن الشعبين العربي السعودي والباكستاني شعب واحد، إحوانًا في الدين، وإخوانًا في العقيدة والمبدأ، وإخوانا في السرَّاء والضرَّاء واليسر إن شاء الله».
الملك خالد بن عبد العزيز في فبراير 1968م، قال: «روابط المملكة بباكستان هي روابط الدين والعقيدة التي لا يمكن أن تنفصم عُراها».
وذكر الملك فهد رحمه الله في ديسمبر 1980م، فقال: «العلاقات السعودية الباكستانية على الصعيدين الرسمي والشعبي وفي مختلف المجالات كانت وما زالت مثالا رائعا وحيًّا لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين بلدين إسلاميين».
أما الملك عبد الله فذكر في فبراير 2006م، قال: «إن العلاقات السعودية الباكستانية تجاوزت مرحلة التعايش إلى مرحلة الصمود، والوقوف معًا في السَّراء والضراء».
الأمير سلطان بن عبد العزيز في إبريل 2006م، قال: «العلاقات بين المملكة العربية السعودية وباكستان تتبوأ مكانة خاصة قلما توجد في العلاقات بين الدول».
وقد ختم ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان في زيارته الأخيرة إلى باكستان في فبراير 2019م بمسك، فقال: «أنا سفير باكستان في المملكة العربية السعودية».
كل ما ذكر أعلاه من تاريخ ومواقف إنَّما هي مكونات النجاح في علاقات أي دولة، ويفتخر الباكستانيون والسعوديون معا في هذه العلاقة المتميزة التي تجمع بلديهما، وفي تطلع وسعي دائم إلى أن تبقى العلاقات دائما فوق هام السحب.