الأحزاب السياسية الباكستانية: الماضي والحاضر

لا يمكن للمهتم بالشأن الباكستاني فهم ما يجري على الساحة السياسية في باكستان ما لم يكن مُلما بالأحزاب السياسية، فمعرفة الأحزاب وتاريخها وتوجهاتها قد يُساعد على استشراف الأمور السياسية، وهذا ليس في باكستان فحسب، بل في كل بلد جمهوري متعدد الأحزاب.

باكستان من أكثر البلدان التي يُساء في فهمها، ومن أكثر البلدان التي تعيش في اضطراب سياسي داخلي لكثرة الأحزاب السياسية غير المتضامنة، والتي لديها أيديولوجيات مختلفة، وطريقة تعاطيها مع السياسات الداخلية والخارجية تختلف، فبالتالي كلما ارتقى حزب سدة الحكم الباكستاني يبدأ المهتمين بها في معرفة توجهات الأحزاب والشخصيات المؤثرة فيها، حتى يمكن فهم سياق ما يجري داخل باكستان، وما سينعكس جراء ذلك على سياساتها الخارجية.

التاريخ الباكستاني يُظهر انقسامات كثيرة داخل الأحزاب نفسها، فعلى سبيل المثال عندما بدأ المسلمون في شبه القارة الهندية جهودهم لنيل حقوقهم السياسية والاجتماعية المشروعة في الاحتلال البريطاني أسسوا (رابطة مسلمي عموم الهند) عام ١٩٠٦م في (دكا) -حاليا عاصمة بنغلاديش- ومن الأسباب التي أدت إلى ذلك من ضمنها ما كان المجتمع الهندوسي يظن أنه حان الوقت لأخذ الثأر من المسلمين جراء حكمهم الهند لثمانية قرون، بالإضافة إلى محاولاتهم في طمس اللغة الأردية، وإحلال رسم الهندية مكانها -رغم أنهما أختين في النطق والتركيب- وكذلك حظر التضحية بالبقر على المسلمين كونها حيوان مقدس لدى الهندوس، وثمة أمور أخرى وسَّعتِ الهوة بين المسلمين والهندوس، والذي أدى في نهاية الأمر إلى استقلال باكستان عن الهند عام ١٩٤٧م.

بعد استقلال باكستان أصبح محمد علي جناح مؤسس باكستان والذي كان رئيسا لرابطة مسلمي عموم الهند، رئيسا لـ(حزب الرابطة الإسلامية)، وبالتالي يعدُّ حزب الرابطة الإسلامية الحزب الذي أسس باكستان، وقد أدت الاختلافات السياسية على مدار العقود إلى انقسامات أدت إلى تسمية حزب الرابطة بأسماء من أسسوها لاحقا، فقد أعيد تأسيس الحزب مرات وكرات وفق الخلافات في السياسة الباكستانية، فمن (ن)، إلى (ق)، و(ف)، و(ج)، و(ض)، كلها أحرف كانت تضاف بعد كلمة (الرابطة الإسلامية) للدلالة على اسم قائد ذلك الحزب، وأحد أكثر الأحزاب، وأكبرها شهرة هو: (الرابطة الإسلامية – نواز)، والذي تأسس رسميا في ١٨ يوليو ١٩٩٣م، واعتلى (نواز شريف) كرسي رئاسة الوزراء، كان آخرها في ٢٠١٣م، فيما أخيه شهباز شريف والذي رأس إقليم بنجاب ثلاث مرات، أصبح رئيس وزراء باكستان بعد سحب الثقة عن رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان في العام الجاري، وهو الحزب وفق المعطيات التاريخية الذي يستطيع التعامل مع الشرق والغرب في آنٍ معا في حال كانت له أصوات كفيلة بأن تجعله في موقف قوي في البرلمان الباكستاني ومجلس الشيوخ، ویمارس سیاسة محافظة، وله قوة لا يُستهان بها في إقليم بنجاب، وهو أكبر الأقاليم من الناحية السكانية، وشعارهم الانتخابي: (الأسد)، وهو الحزب الذي كان من نصيبه إعلان باكستان قوة نووية، وذلك عام ١٩٩٨م.

من الأحزاب السياسية الكبيرة والمؤثرة في سياسة باكستان (حزب الشعب الباكستاني)، والذي تأسس بتاريخ ٣٠ نوفمبر عام ١٩٦٧م على يد ذو الفقار بوتو، خلفته في رئاسة الحزب ابنته بينظير بوتو والتي كانت أول رئيسة وزراء في الدول الاسلامية، واغتيلت عام ٢٠٠٧م، عقب ذلك انتقلت القوة إلى زوجها (آصف علي زرداري) والذي يقود الحزب بالاشتراك مع نجله (بلاول زرادي) وزير الخارجية الباكستاني حاليا، ومثل أي حزب آخر حتى لحزب الشعب فصائل بنفس الاسم، ولكن بأحرف ولواحق مختلفة، يمارس حزب الشعب سياسات الوسط اليساري، وهو الحزب الذي أسس البرنامج النووي لباكستان، وشعاره الانتخابی (السهم)، ويتمركز في إقليم السند.

هذان الحزبان كانا يتداولان الحكم في باكستان، إلى أن تغيَّر وجه السياسة الباكستانية عام ٢٠١١م حينما برز لاعب جديد في السياسة الباكستانية عمران خان، استفاد من شهرته كونه لاعب كريكيت، وأصبح يمثل أداة ضغط على الأحزاب السياسية الباكستانية، حزبه (حركة الانصاف الباكستانية) تأسس في لاهور بتاريخ ٢٥ أبريل ١٩٩٦م، وبدأ يصعد نجمه منذ عام ٢٠١١م، وأصبح يستهدف الأحزاب السياسية -حزب الرابطة وحزب الشعب- وينتقدهما بشدة، ويتهمهما بالفساد المالي، حتى حشد جمع كبير من المناصرين، والذين أوصلوه كرسي رئاسة الوزراء عقب انتخابات منتصف ٢٠١٨م، واتجه خلال توليه الحكم إلى انتقاد قيادات الأحزاب الأخرى مثلما كان يفعل أثناء وجوده في المعارضة، وكسب عداء الداخل، وبالرغم من أن حزبه يزعم انتهاج السياسة الوسطية، بيد أنه اختار الشعبوية طريقا للتأثير في مناصريه، وهذا ما أثر على سياسات باكستان الخارجية، والذي وصلت في عهده إلى مستوى الانحدار حتى مع أصدقاء باكستان، إلى أن سُحبتِ الثقة عنه بوصفه رئيسا للوزراء، وانسحب أعضاؤه من البرلمان فيما بقوا في مجلس الشيوخ، شعارهم الانتخابي مضرب الكريكيت، ونهجهم الاعلامي هجومي، وهذا ما أدى إلى ارتفاع وتيرة التطرف السياسي في باكستان، وهو رغم أنه ليست سمة خاصة بحركة الانصاف فقد وقعت فيه سابقا جميع الأحزاب السياسية الباكستانية، إلا أن حركة الانصاف كانت السبب الأكبر في عودة التطرف السياسي في السياسة الباكستانية من جديد بعد انخفاص حدته في العقدين الماضيين.

فيما ذُكر أعلاه، هي الأحزاب التي تصنف كبيرة في باكستان، وتوجد أحزاب كثيرة متعددة ينحصر دورها بعد كسبها الأصوات في الانتخابات أنها تتآلف مع الحزب الذي لديه أغلبية، وبالتالي يصبح الحزب جزء من الحكم في النظام السياسي الباكستاني الحاكم.